سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا}
البشارة: أول خبر يرد على الإنسان، وسمي بشارة، لأنه يؤثر في بشرته، فان كان خيراً، أثر المسرة والانبساط، وإن شراً، أثر الانجماع والغم، والأغلب في عرف الاستعمال أن تكون البشارة بالخير، وقد تستعمل في الشر، ومنه قوله تعالى: {بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً} [النساء: 138]
قوله تعالى: {وعملوا الصّالحات}
يشمل كل عمل صالح، وقد روي عن عثمان بن عفان أنه قال: أخلصوا الأعمال. وعن على رضي الله عنه أنه قال: أقاموا الصلوات المفروضات. فأما الجنات، فجمع جنَّة. وسميت الجنة جنة، لاستتار أرضها بأشجارها، وسمي الجن جناً، لاستتارهم، والجنين من ذلك، والدّرع جنة، وجن الليل: إذا ستر، وذكر عن المفضل أن الجنة: كل بستان فيه نخل. وقال الزجاج: كل نبت كثف وكثر وستر بعضه بعضاً، فهو جنة.
قوله تعالى: {تجري من تحتها} أي: من تحت شجرها لا من تحت أرضها.
قوله تعالى: {هذا الذي رُزِقْنا من قبل} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن معناه: هذا الذي طعمنا من قبل، فرزق الغداة كرزق العشيّ، روي عن ابن عباس والضحاك ومقاتل.
والثاني: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، قاله مجاهد وابن زيد.
والثالث: أن ثمر الجنة إذا جُنيَ خلفه مثله، فاذا رأوا ما خلف الجنى، اشتبه عليهم، فقالوا: {هذا الذي رزقنا من قبل} قاله يحيى بن أبي كثير وأبو عبيدة.
قوله تعالى: {وأُتوا به متشابهاً}
فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه متشابه في المنظر واللون، مختلف في الطعم، قاله مجاهد وأبو العالية والضحاك والسدي ومقاتل.
والثاني: أنه متشابه في جودته، لا رديء فيه، قاله الحسن وابن جريج.
والثالث: أنه يشبه ثمار الدنيا في الخلقة والاسم، غير أنه أحسن في المنظر والطعم، قاله قتادة وابن زيد. فان قال قائل: ما وجه الامتنان بمتشابهه، وكلّما تنوعت المطاعم واختلفت ألوانها كان أحسن؟! فالجواب: أنا إن قلنا: إنه متشابه المنظر مختلف الطعم، كان أغرب عند الخلق وأحسن، فانك لو رأيت تفاحة فيها طعم سائر الفاكهة، كان نهاية في العجب. وإن قلنا: إنه متشابه في الجودة؛ جاز اختلافه في الألوان والطعوم. وإن قلنا: إنه يشبه صورة ثمار الدنيا مع اختلاف المعاني؛ كان أطرف وأعجب، وكل هذه مطالب مؤثرة.
قوله تعالى: {ولهم فيها أزواجٌ مُطهَّرة} أي: في الخَلْق، فانهن لا يحضن ولا يبلن، ولا يأتين الخلاء. وفي الخُلُق، فانهن لا يحسدن، ولايغرن، ولا ينظرن إلى غير أزواجهن.
قال ابن عباس: نقية عن القذى والأذى. قال الزجاج: و{مطهَّرة} أبلغ من طاهرة، لأنه للتكثير. والخلود: البقاء الدائم الذي لا انقطاع له.


قوله تعالى: {إِنَّ الله لا يَسْتَحيْي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً}
في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أنه لما نزل قوله تعالى: {ضرب مثل فاستمعوا له إِن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له} [الحج: 73] ونزل قوله: {كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً} [العنكبوت: 41] قالت اليهود: وما هذا من الأمثال؟! فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل والفراء.
والثاني: أنه لما ضرب الله المثلين المتقدمين، وهما قوله تعالى: {كمثل الذي استوقد ناراً} [البقرة: 17] وقوله: {أو كصيب من السماء} [البقرة: 19] قال المنافقون: الله أجل وأعلى من أن يضرب هذه الأمثال، فنزلت هذه الآية، رواه السدي عن أشياخه. وروي عن الحسن ومجاهد نحوه.
والحياء بالمد: الانقباض والاحتشام، غير أن صفات الحق عز وجل لا يطلع لها على ماهية، وإنما تمر كما جاءت. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حييّ كريم» وقيل: معنى لا يستحيي: لا يترك. وحكى ابن جرير الطبري عن بعض اللغويين أن معنى لا يستحيي: لا يخشى. ومثله: {وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] أي: تستحيي منه. فالاستحياء والخشية ينوب كل واحد منهما عن الآخر. وقرأ مجاهد وابن محيصن: لا يستحي بياء واحدة، وهي لغة.
قوله تعالى: {أن يضرب مثلاً}
قال ابن عباس: أن يذكر شبهاً، واعلم أن فائدة المثل أن يبين للمضروب له الأمر الذي ضرب لأجله، فينجلي غامضه.
قوله تعالى: {ما بَعوضَة}
ما زائدة، وهذا اختيار أبي عبيدة والزجاج والبصريين. وأنشدوا للنابغة:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا *** إلى حمامتنا أو نصفه فقد
وذكر أَبو جعفر الطبري أن المعنى: ما بين بعوضة إِلى ما فوقها، ثم حذف ذكر: بين وإِلى إِذ كان في نصب البعوضة، ودخول الفاء في ما الثانية؛ دلالة عليهما، كما قالت العرب: مطرنا مازبالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقة فجملاً، وهي أحسن الناس ما قرناً فقدماً يعنون: ما بين قرنها إلى قدمها. وقال غيره: نصب البعوضة على البدل من المثل.
وروى الأصمعي عن نافع: {بعوضةٌ} بالرفع، على إِضمار هو. والبعوضة: صفيرة البق.
قوله تعالى: {فما فوقها} فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: فما فوقها في الكبر، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن جريج، والفراء.
والثاني: فما فوقها في الصغر، فيكون معناه: فما دونها، قاله أبو عبيدة.
قال ابن قتيبة: وقد يكون الفوق بمعنى: دون، وهو من الأضداد، ومثله: الجون؛ يقال للأسود والأبيض. والصريم: الصبح، والليل. والسَّدفة: الظلمة، والضوء، والحلل: الصغير، والكبير. والناهل: العطشان، والريان. والمائل: القائم، واللاطئ بالأرض. والصارخ: المغيث، والمستغيث. والهاجد: المصلي بالليل، والنائم. والرهوة: الارتفاع، والانحدار. والتلعة: ما ارتفع من الارض، وما انهبط من الارض. والظن: يقين، وشك.
والاقراء: الحيض، والاطهار. والمفرع في الجبل: المصعد، والمنحدر. والوراء: خلفاً وقدّاماً. وأسررت الشيء: أخفيته، وأعلنته. وأخفيت الشئ: أظهرته وكتمته. ورتوت الشيء: شددته، وأرخيته. وشعبت الشيء: جمعته، وفرقته. وبُعت الشيء بمعنى: بعته، واشتريته. وشريت الشيء اشتريته. وبعته. والحي خلوف: غيب ومتخلفون.
واختلفوا في قوله: {يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً} هل هو من تمام قول الذين قالوا: {ماذا أراد الله بهذا مثلاً} [البقرة: 26] أو هو مبتدأ من كلام الله عز وجل؟ على قولين.
أحدهما: أنه تمام الكلام الذي قبله، قاله الفراء، وابن قتيبة. قال الفراء: كأنهم قالوا: ماذا اراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد، يضل به هذا، ويهدي به هذا؟! ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله فقال الله: {وما يضل به إِلا الفاسقين} [البقرة: 26]
والثاني: أنه مبتدأ من قول الله تعالى، قاله السدي ومقاتل.
فأما الفسق؛ فهو في اللغة: الخروج، يقال: فسقت الرطبة: إذا خرجت من قشرها. فالفاسق: الخارج عن طاعة الله إِلى معصيته.
وفي المراد بالفاسقين هاهنا، ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم اليهود، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني: المنافقون، قاله أبو العالية والسدي. والثالث: جميع الكفار.


قوله تعالى: {الّذِينَ يَنقضُون عَهْدَ الله}
هذه صفة للفاسقين، وقد سبقت فيهم الأقوال الثلاثة. والنقض: ضد الإِبرام، ومعناه حل الشئ بعد عقده. وينصرف النقض إِلى كل شئ بحسبه، فنقض البناء: تفريق جمعه بعد إحكامه. ونقض العهد: الإعراض عن المقام على أحكامه.
وفي هذا العهد ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه ما عهد إِلى أهل الكتاب من صفة محمد صلى الله عليه وسلم والوصية باتباعه، قاله ابن عباس ومقاتل.
والثاني: أنه ما عُهد اليهم في القرآن، فأقروا به ثم كفروا، قاله السدي.
والثالث: أنه الذي أخذه عليهم حين استخرج ذرية آدم من ظهره، قاله الزجاج. ونحن وإن لم نذكر ذلك العهد، فقد ثبت بخبر الصادق، فيجب الايمان به.
وفي {من} قولان. أحدهما: أنها زائدة، والثاني: أنها لابتداء الغاية، كأنه قال: ابتداء نقض العهد من بعد ميثاقه. وفي هاء {ميثاقه} قولان. أحدهما: أنها ترجع الى إِلله تعالى، والثاني: أنها ترجع إلى العهد، فتقديره: بعد إحكام التوفيق فيه.
وفي: الذي أمر الله أن يوصل: ثلاثة أقوال. أحدها: الرحم والقرابة، قاله ابن عباس وقتادة والسّدّي. والثاني: أنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قطعوه بالتكذيب، قاله الحسن. والثالث: الإيمان بالله، وأن لا يفرق بين أحد من رسله، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، قاله مقاتل.
وفي فسادهم في الأرض ثلاثة أقوال. أحدُها: أنه استدعاؤهم الناس إلى الكفر، قاله ابن عباس. والثاني: أنه العمل بالمعاصي، قاله السدي، ومقاتل. والثالث: أنه قطعهم الطريق على من جاء مهاجراً إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- ليمنعوا الناس من الإسلام.
والخسران في اللغة: النقصان.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12